مبدأ أعمدة المجتمع الثلاث
إن تعقد حياة الإنسان وبنية المجتمع الذي يعيش فيه يزدادان بصورة مستمرة. والعمل وفق ومن أجل مبدأ أعمدة المجتمع الثلاث يعني العمل على فهم الإنسان ككل، مع ما يبدو وكأنه تناقض فيه. يتألف مبدأ أعمدة المجتمع من ثلاثة أعمدة هي: الحرية والمساواة والأخاء بين البشر. تبدو هذه الأعمدة للوهلة الأولى وكأنها لا يُمكن التوفيق فيما بينها. ولكن الحقيقة أن لكل مبدأ منها نطاقه الخاص به.إن تحقيق مجال كل منها سيعمل على إنسجامها معاً بشكل مثمر سيثير الدهشة.
أغلبية البشر يرون اليوم في المساواة أو الديمقراطية مبدأ المساواة أمام القانون. ولكن مَن يفكر في الحرية الفردية في مجال الحياة الروحية ولا يلتفت للثقافة والتحصيل فقط بل للتربية أيضاً فإنه سيجد نفسه ضمن الأقلية. أما مَن يصبو للأخاء أو التضامن بين البشر في القطاع الاقتصادي المسيطر حاليا فإنه لن يجد له مكانا فيه.
يبدو أن مجتمعنا يقف على رأسه والمهمة الأولى هي في إيقافه مجدداً على قدميه.
ـ المبدأ الأول: كل إنسان هو أقلية أو مبدأ الحرية الروحية
تزدهر الثقافة من خلال الإبداع وهذا يعني من خلال الحرية الفردية. إن وضع مصلحة المجتمع فوق أوبالتضاد مع مصلحة الفرد يعني الحكم عليهما معاً بالفشل. إن السؤال هنا هو كيف يمكن أن يُتاح لكل منا أن يختط طريقه الثقافي الخاص به؟
هناك إمكانية متوفرة في بلدان عديدة للسفر إلى بلد آخر بعد إنهاء الدراسة الثانوية مثلا لأجل تحصيل المعرفة بثقافات أخرى ولكن السؤال هو لماذا لم نتمكن حتى الآن من جعل المدرسة ذاتها مكانا للتعرف على تلك الثقافات العالمية؟
إن هناك تأثير مباشر للدولة لجعل مدارسنا الثقافة السائدة في المجتمع هي الثقافة المهيمنة والغالبة فيها، ناهيك عن أثر الإقتصاد الذي يرمي لجعل العالم بأسره يتحدث لغة واحدة لاغير.
ولكن مَن يرغب في وضع الأمور موضع التساؤل حقا فإن عليه أن يلتفت إلى الثقافات الأخرى الموجودة وليُعيد من خلال ذلك التأمل في ذاته. وقد يكون من نتائج ذلك التأمل أنه لن يتقن لغة واحدة بعينها مهيمنة على الساحة العالمية ولكنه في هذه الحالة سيكون متحررا من سطوة تلك اللغة عليه.
إنه ليس من قبيل الصدفة أن مبدأ أعمدة المجتمع الثلاث يدعو بكل وضوح إلى إلغاء خضوع المدارس للدولة وتسليم زمام إدارتها لمبادرات المواطنين أنفسهم، أليس من المنطقي، إذا ما تحقق هذا الإجراء، من أنه سيكون الحجر الأساس في تعددها وثرائها الثقافي؟
ـ كل إنسان هو مواطن أو المساواة القانونية للجميع
إن إلغاء الديمقراطية للإستعباد هو من صميم تكوينها. ولكن رجال الأعمال الذين يبيعون شركاتهم أو أسهمهم في البورصة يقومون عمليا ببيع البشر أيضا. كيف نتمكن من تأمين حركة لرؤوس الأموال لتعني المزيد من فرص العمل وليس فقدان الناس لوظائفهم؟
إن تأميم الشركات مِن قبل الدولة يعني الشلل بالنسبة للمبادرات الاقتصادية، بينما تعني الخصخصة القضاء على المسؤولية تجاه المجتمع. هناك رجال أعمال كثيرون ممن لديهم حس مسؤولية تجاه مجتمعهم يجهدون أنفسهم في البحث عن حل لهذا المأزق. إنهم يرغبون في توفر سوق عمل حر في الإستثمار ولكنهم لا يرغبون أن تقع شركاتهم وأعمالهم في المستقبل بيد أبناءهم أو بيد مستثمرين لا هم لهم سوى جني الأرباح. لذلك يقومون بفعل بديل لا يتضمن توريث الشركات لأفراد عائلاتهم أو بيعها في السوق بل يقومون بتسليمها إلى شخص يكون محط ثقتهم وينقلون ملكية الشركات إلى مؤسسات لا تستهدف الربح.
إن رجال الأعمال هؤلاء يتصرفون وفقا لمبدأ حس إجتماعي مشابه لما كان يقوم به في السابق بعض تجار العبيد الذين كانوا يعتقون عبيدهم. ولكن يقع على عاتق حكوماتنا الديمقراطية سن قوانين تمنع بموجبها إمكانية بيع الشركات، كما تم إلغاء تجارة العبيد في السابق.
ـ كل إنسان يعني البشرية بأسرها أو الأخاء الحياة الاقتصادية
ألا تعني العولمة فرصة ضائعة؟ إن مَن يعمل وفقا لمبدأ الصُدفة في السوق، يغمط حق نفسه أو حق الآخرين. السؤال المهم هو كيف نضع أسعار عادلة للجميع، أي للمنتجين وللمستهلكين؟
عالمنا اليوم يعيش في تناقض، إذ أن هناك مجاعات في العالم، على الرغم من فائض الإنتاج غير المسبوق.
يعاني صغارالمزارعين في العالم الثالث من عدم القدرة على منافسة المنتجات الزراعية الأوروبية والأمريكية المدعومة من قِبل حكوماتها الوطنية. إن هذه الحال تدفع بأولئك المزارعين إلى هجر أراضيهم والإنتقال إلى الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن في بلدانهم. ولكن إلغاء الدعم الحكومي والضرائب الجمركية لن يحل المشكلة بل سيدفع بها للإنتقال إلى قطاع آخر، فقد أدى هذان الإجراءان إلى ضرب القطاع الصناعي في البلدان النامية، بسبب ضعف قدراتها التنافسية مع البضائع الغربية.
إن الحل الأفضل لصغار المزارعين هو في إيجاد سوق عادلة يعرضون من خلالها منتجاتهم ولا يعتمدون في إصلاح حالهم على حكوماتهم وإتفاقياتها. وهذا يعني سن قوانين اقتصادية جديدة تلغي المنطق المجحف للسوق الحرة.
يحاول مشروع سيكم في مصر من خلال مبدأ أعمدة المجتمع الثلاث داخل مصر ذاتها تحقيق مثل هذا الهدف، أي خلق قاعدة للتجارة العادلة. أما في أوروربا فتقوم بذلك "مبادرة رغيوفير" التي تحاول تحقيق ذات الهدف واضعة أمام نصب أعينها حاجات المزارعين داخل البلدان الأوروبية.